الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب حق إجابة الوليمة والدعوة) كذا عطف الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطف الدعوة عليها من العام بعد الخاص، وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته، وأما اختصاص اسم الوليمة به فهو قول أهل اللغة فيما نقله عنهم ابن عبد البر، وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به الجوهري وابن الأثير. وقال صاحب " المحكم ": الوليمة طعام العرس والإملاك وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره. وقال عياض في " المشارق ": الوليمة طعام النكاح، وقيل الإملاك وقيل طعام العرس خاصة. وقال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان وغيرهما، لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال وليمة الختان ونحو ذلك. وقال الأزهري: الوليمة مأخوذة من الولم وهو الجمع وزنا ومعنى لأن الزوجين يجتمعان. وقال ابن الأعرابي: أصلها من تتميم الشيء واجتماعه، وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلا بقرينة، وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة، وهي بفتح الدال على المشهور، وضمها قطرب في مثلثته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي، قال ودعوة النسب بكسر الدال وعكس ذلك بنو تيم الرباب ففتحوا دال دعوة النسب وكسروا دال دعوة الطعام ا ه. وما نسبه لبني تيم الرباب نسبه صاحبا " الصحاح " و " المحكم " لبني عدي الرباب. فالله أعلم. وذكر النووي تبعا لعياض أن الولائم ثمانية: الإعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان، والعقيقة للولادة، والخرس بضم المعجمة وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة، والعقيقة تختص بيوم السابع. والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار. والوكيرة للسكن المتجدد، مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر. والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة، والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها، انتهى. والإعذار يقال فيه أيضا العذرة بضم ثم سكون، والخرس يقال فيه أيضا بالصاد المهملة بدل السين، وقد تزاد في آخرها هاء فيقال خرسة وخرصة وقيل إنها لسلامة المرأة من الطلق، وأما التي للولادة بمعنى الفرح بالمولود فهي العقيقة. واختلف في النقيعة هل التي يصنعها القادم من السفر أو تصنع له؟ قولان. وقيل النقيعة التي يصنعها القادم، والتي تصنع له تسمى التحفة. وقيل إن الوليمة خاص بطعام الدخول، وأما طعام الإملاك فيسمى الشندخ بضم المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وقد تضم وآخره خاء معجمة مأخوذ من قولهم فرس شندخ أي يتقدم غيره سمي طعام الإملاك بذلك لأنه يتقدم الدخول. وأغرب شيخنا في " التدريب " فقال: الولائم سبع وهو وليمة الإملاك وهو التزوج ويقال لها النقيعة بنون وقاف، ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما انتهى. وموضع إغرابه تسمية وليمة الإملاك نقيعة، ثم رأيته تبع في ذلك المنذري في حواشيه وقد شذ بذلك. وقد فاتهم ذكر الحذاق بكسر المهملة وتخفيف الدال المعجمة وآخره قاف: الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في " الشامل". وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند الختم أي ختم القرآن كذا قيده، ويحتمل ختم ختم قدر مقصود منه، ويحتمل أن يطرد ذلك في حذقه لكل صناعة. وذكر المحاملي في " الرونق " في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم، وسيأتي حكمها في أواخر كتاب العقيقة وإلا فلتذكر في الأضحية، وأما المأدبة ففيها تفصيل لأنها إن كانت لقوم مخصوصين فهي النقري بفتح النون والقاف مقصور، وإن كانت عامة فهي الجفلى بجيم وفاء بوزن الأول، قال الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب منا ينتقر وصف قومه بالجود وأنهم إذا صنعوا مأدبة دعوا إليها عموما لا خصوصا، وخص الشتاء لأنها مظنة قلة الشيء وكثرة احتياج من يدعي، والآدب بوزن اسم الفاعل من المأدبة، وينتقر مشتق من النقري. وقد وقع في آخر حديث أبي هريرة الذي أوله " الوليمة حق وسنة " كما أشرت في " باب الوليمة حق " قال: والخرس والإعذار والتوكير أنت فيه بالخيار وفيه تفسير ذلك، وظاهر سياقه الرفع ويحتمل الوقف. وفي مسند أحمد من حديث عثمان بن أبي العاص في وليمة الختان " لم يكن يدعى لها " وأما قول المصنف " حق إجابة " فيشير إلى وجوب الإجابة، وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب، وكلام صاحب الهداية يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنة، فكأنه أراد أنها وجبت بالسنة وليست فرضا كما عرف من قاعدتهم، وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية، وحكى ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " أن محل ذلك إذا عمت الدعوة أما لو خص كل واحد بالدعوة فإن الإجابة تتعين، وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا، وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه، وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه، وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول على المشهور، وسيأتي البحث فيه، وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني، وإن جاءا معا قدم الأقرب رحما على الأقرب جوارا على الأصح، فإن استويا أقرع، وأن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره من منكر وغيره كما سيأتي البحث فيه بعد أربعة أبواب وأن لا يكون له عذر وضبطه الماوردي بما يرخص به في ترك الجماعة، هذا كله في وليمة العرس فإما الدعوة في غير العرس فسيأتي البحث فيها بعد بابين. قوله (ومن أولم سبعة أيام ونحوه) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت " لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي وأثنى " وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقا منه، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة وقال فيه ثمانية أيام، وإليه أشار المصنف بقوله " ونحوه " لأن القصة واحدة وهذا وإن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره، وقد نبه على ذلك ابن المنير. قوله (ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين) أي لم يجعل للوليمة وقتا معينا يختص به الإيجاب أو الاستحباب وأخذ ذلك من الإطلاق، وقد أفصح بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثنى عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة " قال البخاري: لا يصح إسناده ولا يصح له صحبة يعني لزهير، قال وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب " ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح، قال وقال ابن سيرين عن أبيه " أنه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه " ا هـ. وقد خالف يونس بن عبيد قتادة في إسناده فرواه عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو معضلا لم يذكر عبد الله بن عثمان ولا زهيرا أخرجه النسائي ورجحه على الموصول، وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه، ثم أخرج النسائي عقبه حديث أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى أعرس بها " فأشار إلى تضعيفه أو إلى تخصيصه، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن عن أنس قال " تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام " الحديث. وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد، منها عن أبي هريرة مثله أخرجه ابن ماجه وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدا، وله طريق أخرى عن أبي هريرة أشرت إليها في " باب الوليمة حق " وعن أنس مثله أخرجه ابن عدي والبيهقي وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف، وله طريق أخرى ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه مروان بن معاوية عن عوف عن الحسن عن أنس نحوه فقال إنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وعن ابن مسعود أخرجه الترمذي بلفظ " طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به " وقال لا نعرفه إلا من حديث زياد بن عبد الله البكائي وهو كثير الغرائب والمناكير. قلت: وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته. وعن ابن عباس رفعه " طعام في العرس يوم سنة، وطعام يومين فضل، وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة " أخرجه الطبراني بسند ضعيف، وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلا، وقد وقع في رواية أبي داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان " قال قتادة: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم وأجاب، ودعي ثاني يوم فأجاب، ودعي ثالث يوم فلم يجب وقال: أهل رياء وسمعة. فكأنه بلغه الحديث فعمل بظاهره إن ثبت ذلك عنه، وقد عمل به الشافعية والحنابلة، قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول، وقد حكى صاحب " التعجيز " في وجوبها في اليوم الثاني وجهين وقال في شرحه: أصحهما الوجوب، وبه قطع الجرجاني لوصفه بأنه معروف أو سنة، واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول وأما الثاني فقالوا سنة تمسكا بظاهر لفظ حديث ابن مسعود وفيه بحث، وأما الكراهة في اليوم الثالث فأطلقه بعضهم لظاهر الخبر. وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول، وكذا صوره الروياني واستبعده بعض المتأخرين وليس ببعيد لأن إطلاق كونه رياء وسمعة يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة وإذا كثر الناس فدعا في كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبا، وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية، قال عياض استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعا، قال وقال بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم، وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني، وإذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب والله أعلم. ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا الشرح: حديث ابن عمر أورده من طريق مالك عن نافع بلفظ " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " سيأتي البحث فيه بعد بابين، وقوله "فليأتها " أي فليأت مكانها، والتقدير إذا دعي إلى مكان وليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثا. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُكُّوا الْعَانِيَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ الشرح: حديث أبي موسى أورده لقوله فيه " وأجيبوا الداعي " قد تقدم في الجهاد، قال ابن التين: قوله " وأجيبوا الداعي " يريد إلى وليمة العرس كما دل عليه حديث ابن عمر الذي قبله يعني في تخصيص الأمر بالإتيان بالدعاء إلى الوليمة. وقال الكرماني: قوله " الداعي " عام، وقد قال الجمهور تجب في وليمة النكاح وتستحب في غيرها فيلزم استعمال اللفظ في الإيجاب والندب وهو ممتنع قال والجواب أن الشافعي أجازه، وحمله غيره على عموم المجاز ا ه. ويحتمل أن يكون هذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به خاص، وأما استحباب إجابة طعام غير العرس فمن دليل آخر. الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ الْأَشْعَثِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَالْقَسِّيَّةِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ فِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ الشرح: حديث البراء بن عازب " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا - وفي آخره - وإجابة الداعي " أورده من طريق أبي الأحوص عن الأشعث وهو ابن أبي الشعثاء سليم المحاربي ثم قال بعده " تابعه أبو عوانة والشيباني عن أشعث في إفشاء السلام " فأما متابعة أبي عوانة فوصلها المؤلف في الأشربة عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن أشعث بن سليم به، وأما متابعة الشيباني وهو أبو إسحاق فوصلها المؤلف في كتاب الاستئذان عن قتيبة عن جرير عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء به، وسيأتي شرحه مستوفى في أواخر كتاب الأدب إن شاء الله تعالى، وقد أخرجه في مواضع أخرى من غير رواية هؤلاء الثلاثة فذكره بلفظ " رد السلام " بدل إفشاء السلام فهذه نكتة الاقتصار. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُرْسِهِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ قَالَ سَهْلٌ تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ الشرح: حديث سهل بن سعد. قوله (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) في رواية المستملي عن أبي حازم، وذكر الكرماني أنه وقع في رواية عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل، وهو سهو إذ لا بد من واسطة بينهما إما أبوه أو غيره، قلت: لعل الرواية عن عبد العزيز عن أبي حازم فتصحفت " عن " فصارت " ابن " وسيأتي شرح الحديث بعد خمسة أبواب. *3* الشرح: قوله (باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله) أورد فيه حديث ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول " شر الطعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله" الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول " شر الطعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله " ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق معن بن عنسي عن مالك " المساكين " بدل الفقراء، وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه، ذكر ذلك ابن بطال قال: ومثله حديث أبي الشعثاء " أن أبا هريرة أبصر رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم " قال: ومثل هذا لا يكون رأيا، ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم انتهى. وذكر ابن عبد البر أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه. وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى. وكذا أخرجه الدار قطني في " غرائب مالك " من طريق إسماعيل بن مسلمة ابن قعنب عن مالك، وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك كما قال مالك ومن رواية أبي الزناد عن الأعرج كذلك، والأعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال " سألت الزهري فقال: حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة " فذكره. ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم أيضا من طريق سفيان " سمعت زياد بن سعد يقول سمعت ثابتا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكر نحوه، وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا صريحا. وأخرج له شاهدا من حديث ابن عمر كذلك، والذي يظهر أن اللام في " الدعوة " للعهد من الوليمة المذكورة أولا، وقد نقدم أن الوليمة إذا أطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد، وقوله "يدعى لها الأغنياء " أي أنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة، ولهذا قال ابن مسعود " إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب " قال قال ابن بطال: وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة لم يكن به بأس، وقد فعله ابن عمر. وقال البيضاوي " من " مقدرة كما يقال " شر الناس من أكل وحده " أي من شرهم، وإنما سماه شرا لما ذكر عقبه فكأنه قال: شر الطعام الذي شأنه كذا. وقال الطيبي: اللام في الوليمة للعهد الخارجي، إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء. وقوله "يدعى إلخ " استئناف وبيان لكونها شر الطعام، وقوله "ومن ترك إلخ " حال والعامل يدعى، أي يدعى الأغنياء والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سببا لأكل المدعو شر الطعام، ويشهد له ما ذكره ابن بطال أن ابن حبيب روى عن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة، تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتي، يعني بالأول الأغنياء وبالثاني الفقراء. قوله (شر الطعام) في رواية مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك " بئس الطعام " والأول رواية الأكثر، وكذا في بقية الطرق. قوله (يدعى لها الأغنياء) في رواية ثابت الأعرج " يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها " والجملة في موضع الحال لطعام الوليمة؛ فلو دعا الداعي عاما لم يكن طعامه شر الطعام. ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان". قوله (ومن ترك الدعوة) أي ترك إجابة الدعوة. وفي رواية ابن عمر المذكورة " ومن دعي فلم يجب " وهو تفسير للرواية الأخرى. قوله (فقد عصى الله ورسوله) هذا دليل وجوب الإجابة، لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب. ووقع في رواية لابن عمر عند أبي عوانة " من دعي إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله" *3* الشرح: قوله (باب من أجاب إلى كراع) بضم الكاف وتخفيف الراء وآخره عين مهملة: هو مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير، وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب. وقال ابن فارس: كراع كل شيء طرفه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ الشرح: قوله (حدثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان، وأبو حمزة بالمهملة والزاي هو اليشكري. قوله (عن أبي حازم) تقدم في الهبة من رواية شعبة عن الأعمش، وهو لا يروي عن مشايخه إلا ما ظهر له سماعهم فيه وأبو حازم هذا هو سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح المهملة وتشديد الزاي، ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبا، فإنهما وإن كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من ابن دينار. قوله (ولو أهدي إلي كراع لقبلت) كذا للأكثر من أصحاب الأعمش، وتقدم في الهبة من طريق شعبة عن الأعمش بلفظ " ذراع وكراع " بالتغيير، والذراع أفضل من الكراع، وفي المثل " أنفق العبد كراعا وطلب ذراعا " وقد زعم بعض الشراح وكذا وقع للغزالي أن المراد بالكراع في هذا الحديث المكان المعروف بكراع الغميم بفتح المعجمة هو موضع بين مكة والمدينة تقدم ذكره في المغازي، وزعم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان، لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع هنا كراع الشاة، وقد تقدم توجيه ذلك في أوائل الهبة في حديث " يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة " وأغرب الغزالي في " الإحياء " فذكر الحديث بلفظ " ولو دعيت إلى كراع الغميم " ولا أصل لهذه الزيادة. وقد أخرج الترمذي من حديث أنس وصححه مرفوعا " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت لمثله لأجبت " وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم بنت وادع أنها " قالت يا رسول الله أتكره الهدية؟ فقال: ما أقبح رد الهدية " فذكر الحديث، ويستفاد سببه من هذه الرواية. وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل، قال المهلب: لا يبعث على الدعوة إلى الطعام إلا صدق المحبة وسرور الداعي بأكل المدعو من طعامه والتحبب إليه بالمؤاكلة وتوكيد الذمام معه بها، فلذلك حض صلى الله عليه وسلم على الإجابة ولو نزر المدعو إليه. وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف، وإجابة الدعوة لما قل أو كثر، وقبول الهدية كذلك *3* الشرح: قوله (باب إجابة الداعي في العرس وغيره) ذكر فيه حديث ابن عمر " أجيبوا هذه الدعوة " وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد، والمراد وليمة العرس، ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك، ويحتمل أن تكون اللام للعموم وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ الشرح: قوله (حدثنا علي بن عبد الله بن إبراهيم) هو البغدادي، أخرج عنه البخاري هنا فقط، وقد تقدم في فضائل القرآن روايته عن علي بن إبراهيم عن روح بن عبادة فقيل: هو هذا نسبه إلى جده، وقيل غيره كما تقدم بيانه، وذكر أبو عمرو والمستملي أن البخاري لما حدث عن علي بن عبد الله بن إبراهيم هذا سئل عنه فقال: متقن. قوله (عن نافع) في رواية فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة " حدثني نافع " أخرجه الإسماعيلي. قوله (قال كان عبد الله) القائل هو نافع وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن عبد الله ابن عمر العمري عن نافع بلفظ " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق أيوب عن نافع بلفظ " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه " ولمسلم من طريق الزبيدي عن نافع بلفظ " من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب " وهذا يؤيد ما فهمه ابن عمر وأن الأمر بالإجابة لا يختص بطعام العرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقا عرسا كان أو غيره بشرطه؛ ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين، ويعكر عليه ما نقلناه عن عثمان بن أبي العاص وهو من مشاهير الصحابة أنه قال في وليمة الختان لم يكن يدعى لها، لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا، وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه دعا بالطعام فقال رجل من القوم: اعفني، فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا، فقم. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أن ابن صفوان دعاه فقال: إني مشغول، وإن لم تعفني جئته. وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية؛ وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعي: إتيان دعوة الوليمة حق، والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبين أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس. قوله (في العرس وغير العرس وهو صائم) في رواية مسلم عن هارون بن عبد الله عن حجاج بن محمد " ويأتيها وهو صائم " ولأبي عوانة من وجه آخر عن نافع " وكان ابن عمر يجيب صائما ومفطرا " ووقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع في آخر الحديث المرفوع " فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليدع " ولمسلم من حديث أبي هريرة " فإن كان صائما فليصل " ووقع في رواية هشام بن حسان في آخره " والصلاة الدعاء " وهو من تفسير هشام راويه، ويؤيده الرواية الأخرى، وحمله بعض الشراح على ظاهره فقال: إن كان صائما فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها، ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها. وفيه نظر لعموم قوله " لا صلاة بحضرة طعام " لكن يمكن تخصيصه بغير الصائم، وقد تقدم في " باب حق إجابة الوليمة " أن أبي بن كعب لما حضر الوليمة وهو صائم أثنى ودعا، وعند أبي عوانة من طريق عمر بن محمد عن نافع: كان ابن عمر إذ ادعى أجاب، فإن كان مفطرا أكل، إن كان صائما دعا لهم وبرك ثم انصرف. وفي الحضور فوائد أخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل له الصيانة لو لم يحضر، وفي الإخلال بالإجابة تفويت ذلك، ولا يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش، وعرف من قوله " فليدع لهم " حصول المقصود من الإجابة بذلك وأن المدعو لا يجب عليه الأكل، وهل يستحب له أن يفطر إن كان صومه تطوعا؟ قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة: إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم، وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر، وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل، وأما من يوجبه فلا يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض، ويبعد إطلاق استحباب الفطر مع وجود الخلاف ولا سيما إن كان وقت الإفطار قد قرب. ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصوم ليس عذرا في ترك الإجابة ولا سيما مع ورود الأمر للصائم بالحضور والدعاء، نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر. ووقع في حديث جابر عند مسلم " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك " فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر لا يجب عليه الأكل، وهو أصح الوجهين عند الشافعية. وقال ابن الحاجب في مختصره: ووجوب أكل المفطر محتمل، وصرح الحنابلة بعدم الوجوب، واختار النووي الوجوب، وبه قال أهل الظاهر، والحجة لهم قوله في إحدى روايات ابن عمر عند مسلم " فإن كان مفطرا فليطعم " قال النووي: وتحمل رواية جابر على من كان صائما، ويؤيده رواية ابن ماجه فيه بلفظ " من دعي إلى طعام وهو صائم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك " ويتعين حمله على من كان صائما نفلا، ويكون فيه حجة لمن استحب له أن يخرج من صيامه لذلك، ويؤيده ما أخرجه الطيالسي والطبراني في " الأوسط " عن أبي سعيد قال " دعا رجل إلى طعام، فقال رجل: إني صائم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخاكم وتكلف لكم، أفطر وصم يوما مكانه إن شئت " في إسناده واو ضعيف لكنه توبع، والله أعلم. *3* الشرح: قوله (باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس) كأنه ترجم بهذا لئلا يتخيل أحد كراهة ذلك، فأراد أنه مشروع بغير كراهة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْتَنًّا فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ الشرح: قوله (حدثنا عبد الرحمن بن المبارك) هو العيشي بالتحتانية والشين، وليس هو أخا عبد الله بن المبارك المشهور، وعبد الوارث هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون. قوله (فقام ممتنا) بضم الميم بعدها ميم ساكنة ومثناة مفتوحة ونون ثقيلة بعدها ألف، أي قام قياما قويا، مأخوذ من المنة بضم الميم وهي القوة، أي قام إليهم مسرعا مشتدا في ذلك فرحا بهم. وقال أبو مروان بن سراج ورجحه القرطبي أنه من الامتنان لأن من قام له النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك فقد امتن عليه بشيء لا أعظم منه، قال: ويؤيده قوله بعد ذلك " أنتم أحب الناس إلي " ونقل ابن بطال عن القابسي قال: قوله " ممتنا " يعني متفضلا عليهم بذلك، فكأنه قال: يمتن عليهم بمحبته. ووقع في رواية أخرى " متينا " بوزن عظيم، أي قام قياما مستويا منتصبا طويلا، ووقع في رواية ابن السكن " فقام يمشي " قال عياض: وهو تصحيف. قلت: ويؤيد التأويل الأول ما تقدم في " فضائل الأنصار " عن أبي معمر عن عبد الوارث بسند حديث الباب بلفظ " فقام ممثلا " بضم أوله وسكون الميم الثانية بعدها مثلثة مكسورة وقد تفتح، وضبط أيضا بفتح الميم الثانية وتشديد المثلثة والمعنى منتصبا قائما، قال ابن التين: كذا وقع في البخاري، والذي في اللغة: مثل بفتح أوله وضم المثلثة وبفتحها قائما يمثل بضم المثلثة مثولا فهو ماثل إذا انتصب قائما، قال عياض: وجاء هنا ممثلا يعني بالتشديد أي مكلفا نفسه ذلك ا هـ. ووقع في رواية الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الوارث " فقام النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثيلا " بوزن عظيم وهو فعيل من ماثل، وعن إبراهيم بن هاشم عن إبراهيم ابن الحجاج مثله وزاد " يعني ماثلا". قوله (اللهم أنتم من أحب الناس إلي) زاد في رواية أبي معمر " قالها ثلاث مرات " وتقديم لفظ اللهم يقع للتبرك أو للاستشهاد بالله في صدقه، ووقع في رواية مسلم من طريق ابن علية عن عبد العزيز " اللهم إنهم " والباقي مثله وأعادها ثلاث مرات، وقد اتفقا كما تقدم في فضائل القرآن على رواية هشام بن زيد عن أنس " جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها وقال: والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إلي مرتين " وفي رواية تأتي في كتاب النذور " ثلاث مرات " و " من " في هذه الرواية مقدرة بدليل رواية حديث الباب. *3* وَرَأَى أَبُو مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَقَالَ مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ الشرح: قوله (باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة) هكذا أورد الترجمة بصورة الاستفهام، ولم يبت الحكم لما قيها من الاحتمال كما سأبينه إن شاء الله تعالى. قوله (ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع) كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس. وفي رواية الباقي " أبو مسعود " والأول تصحيف فيما أظن فإنني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود " أن رجلا صنع طعاما فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم. فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة " وسنده صحيح. وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية، ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم أقف عليه. قوله (ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء. فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما. فرجع) وصله أحمد في " كتاب الورع " ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال " أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، فكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب، فقال: من خشيت أن تغلبه النساء " فذكره ووقع لنا من وجه آخر من طريق الليث عن بكير ابن عبد الله بن الأشج عن سالم بمعناه وفيه " فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الأول فالأول، حتى أقبل أبو أيوب " وفيه " فقال عبد الله: أقسمت عليك لترجعن، فقال: وأنا أعزم على نفسي أن لا أدخل يومي هذا، ثم انصرف " وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد فأنكره وأزال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب، فروينا في " كتاب الزهد لأحمد " من طريق عبد الله بن عتبة قال " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور، فقال ابن عمر: يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك؟ ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ليهتك كل رجل ما يليه". وأخرج ابن وهب ومن طريقه البيهقي " أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر دعي لعرس فرأى البيت قد ستر فرجع، فسئل فذكر قصة أبي أيوب". ثم ذكر المصنف حديث عائشة في الصور وسيأتي شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس، وموضع الترجمة منه قولها " قام على الباب فلم يدخل " قال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك، وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع، ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة ابن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره، ولو كان حراما ما قعد الذين قعدوا ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة، وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه، قالوا إن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور، والأولى الترك. وإن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان: أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته، وإن كان الأولى أن لا يحضر. قال البيهقي: وهو ظاهر نص الشافعي، وعليه جرى العراقيون من أصحابه. وقال صاحب " الهداية " من الحنفية: لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به، فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية. وحكي عن أبي حنيفة أنه قعد، وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به، قال: وهذا كله بعد الحضور، فإن علم قبله لم تلزمه الإجابة، والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المراوزة، فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم، فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك، وعلى ذلك جرى الحنابلة. وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا حكاه ابن بطال وغيره عن مالك، ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين " أخرجه الطبراني في " الأوسط"، ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وإسناده جيد، وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر، وأبو داود من حديث ابن عمر بسند فيه انقطاع، وأحمد من حديث عمر. وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم، وجزم جمهور الشافعية بالكراهة، وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم، واحتج بحديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، وجذب الستر حتى هتكه " وأخرجه مسلم. قال البيهقي هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة. وقال غيره: ليس في السياق ما يدل على التحريم، وإنما فيه نفي الأمر لذلك، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي، لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه. وجاء النهي عن ستر الجدر صريحا، منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره " ولا تستروا الجدر بالثياب " وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه، وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا " أنه أنكر ستر البيت وقال: أمحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم؟ قال لا أدخله حتى يهتك " وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك. وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه " كيف بكم إذا سترتم بيوتكم " الحديث وأصله في النسائي الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قَالَتْ فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ الشرح: قوله (باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة) هكذا أورد الترجمة بصورة الاستفهام، ولم يبت الحكم لما قيها من الاحتمال كما سأبينه إن شاء الله تعالى. قوله (ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع) كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي وعبدوس. وفي رواية الباقي " أبو مسعود " والأول تصحيف فيما أظن فإنني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود " أن رجلا صنع طعاما فدعاه فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم. فأبى أن يدخل حتى تكسر الصورة " وسنده صحيح. وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية، ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم أقف عليه. قوله (ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء. فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما. فرجع) وصله أحمد في " كتاب الورع " ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني من رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال " أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، فكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي ببجاد أخضر، فأقبل أبو أيوب فاطلع فرآه فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب، فقال: من خشيت أن تغلبه النساء " فذكره ووقع لنا من وجه آخر من طريق الليث عن بكير ابن عبد الله بن الأشج عن سالم بمعناه وفيه " فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون الأول فالأول، حتى أقبل أبو أيوب " وفيه " فقال عبد الله: أقسمت عليك لترجعن، فقال: وأنا أعزم على نفسي أن لا أدخل يومي هذا، ثم انصرف " وقد وقع نحو ذلك لابن عمر فيما بعد فأنكره وأزال ما أنكر ولم يرجع كما صنع أبو أيوب، فروينا في " كتاب الزهد لأحمد " من طريق عبد الله بن عتبة قال " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور، فقال ابن عمر: يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك؟ ثم قال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ليهتك كل رجل ما يليه". وأخرج ابن وهب ومن طريقه البيهقي " أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر دعي لعرس فرأى البيت قد ستر فرجع، فسئل فذكر قصة أبي أيوب". ثم ذكر المصنف حديث عائشة في الصور وسيأتي شرحه وبيان حكم الصور مستوفى في كتاب اللباس، وموضع الترجمة منه قولها " قام على الباب فلم يدخل " قال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك من إظهار الرضا بها، ونقل مذاهب القدماء في ذلك، وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس، وإن لم يقدر فليرجع، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع، ومما يؤيد ذلك ما وقع في قصة ابن عمر من اختلاف الصحابة في دخول البيت الذي سترت جدره، ولو كان حراما ما قعد الذين قعدوا ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين لم ينكروا كانوا يرون الإباحة، وقد فصل العلماء ذلك على ما أشرت إليه، قالوا إن كان لهوا مما اختلف فيه فيجوز الحضور، والأولى الترك. وإن كان حراما كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان: أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته، وإن كان الأولى أن لا يحضر. قال البيهقي: وهو ظاهر نص الشافعي، وعليه جرى العراقيون من أصحابه. وقال صاحب " الهداية " من الحنفية: لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به، فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية. وحكي عن أبي حنيفة أنه قعد، وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به، قال: وهذا كله بعد الحضور، فإن علم قبله لم تلزمه الإجابة، والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المراوزة، فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم، فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك، وعلى ذلك جرى الحنابلة. وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر، وإذا كان من أهل الهيئة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا حكاه ابن بطال وغيره عن مالك، ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين " أخرجه الطبراني في " الأوسط"، ويؤيده مع وجود الأمر المحرم ما أخرجه النسائي من حديث جابر مرفوعا " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وإسناده جيد، وأخرجه الترمذي من وجه آخر فيه ضعف عن جابر، وأبو داود من حديث ابن عمر بسند فيه انقطاع، وأحمد من حديث عمر. وأما حكم ستر البيوت والجدران ففي جوازه اختلاف قديم، وجزم جمهور الشافعية بالكراهة، وصرح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم، واحتج بحديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، وجذب الستر حتى هتكه " وأخرجه مسلم. قال البيهقي هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدار، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة. وقال غيره: ليس في السياق ما يدل على التحريم، وإنما فيه نفي الأمر لذلك، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي، لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه. وجاء النهي عن ستر الجدر صريحا، منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره " ولا تستروا الجدر بالثياب " وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه، وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا " أنه أنكر ستر البيت وقال: أمحموم بيتكم أو تحولت الكعبة عندكم؟ قال لا أدخله حتى يهتك " وتقدم قريبا خبر أبي أيوب وابن عمر في ذلك. وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه " كيف بكم إذا سترتم بيوتكم " الحديث وأصله في النسائي *3* الشرح: قوله (باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس) أي بنفسها، ذكر فيه حديث سهل بن سعد في قصة عرس أبي أسيد، وترجم عليه في الذي بعده " النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس " وتقدم قبل أبواب في " إجابة الدعوة" الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ الشرح: قوله (عن سهل) في الرواية التي بعدها " سمعت سهل بن سعد". قوله (لما عرس) كذا وقع بتشديد الراء، وقد أنكره الجوهري فقال: أعرس ولا تقل عرس. قوله (أبو أسيد) في الرواية الماضية " دعا أبو أسيد النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه " وزاد في هذه الرواية " وأصحابه " ولم يقع ذلك في الروايتين الأخريين. قوله (فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد) بضم الهمزة، وهي ممن وافقت كنيتها كنية زوجها، واسمها سلامة بنت وهيب. قوله (بلت تمرات) بموحدة ثم لام ثقيلة أي أنقعت كما في الرواية التي بعدها، وإنما ضبطته لأني رأيته في شرح ابن التين " ثلاث " بلفظ العدد وهو تصحيف، وزاد في الرواية التي بعدها " فقالت أو قال " كذا بالشك لغير الكشميهني وله " فقالت أو ما تدرون " بالجزم وتقدم في الرواية الماضية " قال سهل " وهي المعتمدة، فالحديث من رواية سهل وليس لأم أسيد فيه رواية، وعلى هذا فقوله " أتدرون ما أنقعت " يكون بفتح العين وسكون التاء في الموضعين، وعلى رواية الكشميهني يكون بسكون العين وضم التاء. قوله (في تور) بالمثناة إناء يكون من نحاس وغيره، وقد بين هنا أنه كان من حجارة. قوله (أماثته) بمثلثة ثم مثناة، قال ابن التين: كذا وقع رباعيا وأهل اللغة يقولونه ثلاثيا " ماثته " بغير ألف أي مرسته بيدها، يقال ماثه يموثه ويميثه بالواو وبالياء وقال الخليل: مثت الملح في الماء ميثا أذبته وقد انماث هو ا هـ، وقد أثبت الهروي اللغتين ماثه وأماثه ثلاثيا ورباعيا. قوله (تحفة بذلك) كذا للمستملي والسرخسي تحفة بوزن لقمة، وللأصيلي مثله، وعنه بوزن تخصه، وهو كذلك لابن السكن بالخاء والصاد الثقيلة، وكذا هو لمسلم. وفي رواية الكشميهني أتحفته بذلك. وفي رواية. النسفي تتحفه بذلك. وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر، وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك، وشرب ما لا يسكر في الوليمة، وفيه جواز إيثار كبير القوم في الوليمة بشيء دون من معه *3* الشرح: قوله (باب النقيع والشراب الذي لا يسكر في العرس) تقدم في الذي قبله، وقوله "الذي لا يسكر " استنبطه من قرب العهد بالنقع لقوله " أنقعته من الليل " لأنه في مثل هذه المدة من أثناء الليل إلى أثناء النهار لا يتخمر، وإذا لم يتخمر لم يسكر *3* وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا وَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ الشرح: قوله (عن أبي الزناد عن الأعرج) في رواية سعيد بن داود عن الدار قطني في " الغرائب " عن مالك " أخبرني أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز وهو الأعرج أخبره أنه سمع أبا هريرة " وساق المتن بنحو لفظ سفيان لكن قال " على خليقة واحدة إنما هي كالضلع " الحديث. ووقع لنا بلفظ المداراة من حديث سمرة رفعه " خلقت المرأة من ضلع، فإن تقمها تكسرها، فدارها تعش بها " أخرجه ابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط وقوله " وفيها عوج " بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم للأكثر وبالفتح لبعضهم. وقال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بساط أو أرض أو معاش أو دين. ونقل ابن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئي. وقال القرطبي: بالفتح في الأجسام وبالكسر في المعاني، وهو نحو الذي قبله. وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال: كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح
|